عرض مشاركة واحدة
قديم 03-28-2011, 09:27 PM   رقم المشاركة : [5]
mẨřЎặm..εïз
المشرفين
الصورة الرمزية mẨřЎặm..εïз
 

معلومات اضافية
الجنس :
الدولة :
المزاج :

My MMS
افتراضي

:
:

3.الهم


إذا كان الحزن هو حسرة يشعر بها الإنسان حين يفكر فيما فاته في ماضيه من فرص ضيعها أو أسف

على أخطاء ارتكبها،

و إذا كان الغم هو قلق يشغل بال المسلم في الزمن الحاضر بسبب مصيبة ورط نفسه أو غيره فيها،

فإن الهم هو قلق ينتاب المرء حين يفكر في مشكلة لم يسبق وقوعها في الزمن الماضي و لم تقع

بعد في الحاضر بل يَتوقع و يَحتمل وقوعها في المستقبل، و هذا بالضبط هو التشخيص الذي قدمه القرآن الكريم

للحالة النفسية التي كان يشعر بها المنافقون الذين كانوا يشكلون جزءاً من الجيش الإسلامي

في معركة أُحد و قد قال الله فيهم : ((و طائفة أهمتهم أنفسهم))أي أن المنافقين لم يقلقوا

كما قَلِقَ المؤمنون الصادقون لاحتمال قتل الرسول عليه الصلاة و أزكى السلام،

و ما يترتب عن ذلك من الشعور بالخوف من إمكانية القضاء على دين الإسلام،

بل إن الهم الذي كان يشغل قلوب المنافقين في تلك اللحظات العسيرة هو أنفسهم،

إذ كانوا يتوقعون قبل الخروج إلى المعركة بأن المسلمين سينتصرون و يحصلون بذلك على نصيبهم من الغنائم،

لكن بعد انقلاب أوضاع المعركة تحسروا على ضياع الغنائم و ندموا على المشاركةفي الحرب

و خافوا على أنفسهم من خطر الموت،

لذلك حين أكرم الله تعالى المسلمين في هذه الظروف العصيبة بالنعاس الذي هدأ من روعهم

حُرمَ المنافقون من هذه النعمة لسيطرة الهم على قلوبهم،

و معلوم أن الهم يطرد النعاس و النوم لأنه من أقوى جنود الله في الدنيا.

لقد شغل هذا الموضوع بال صحابة رسول الله ذات يوم فجلسوا يتساءلون فيما بينهم عن أقوى جنود الله

في الأرض لكنهم لم يتوصلوا إلى إجابة شافية، فانطلقوا إلى الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه

فسألوه فأجابهم بدون تردد : أقوى جنود الله عشرة،
فاستغربوا لسرعته و يقينه في الجواب على السؤال الذي حيّر عقولهم لساعات،
فاسترسل علي رضي الله عنه قائلا : ( أقوى جنود الله تعالى الجبل لأنه أعلى و أعظم مخلوق على وجه الأرض،
و أقوى من الجبل الحديد لأن الحديد يكسر الجبل، و أقوى من الحديد النار

لأن النار تذيب الحديد، و أقوى من النار الماء لأن الماء يطفئ النار،
و أقوى من الماء السحاب لأن السحاب يحمل الماء،
و أقوى من السحاب الرياح لأن الرياح تحمل السحاب من مكان إلى مكان آخر،
و أقوى من الرياح الإنسان لأن الإنسان يبني بيوتاً و أصوار تقيه من الرياح،
و أقوى من الإنسان الخمر لأن الخمر يُذهب العقل و يعبث بتوازن الجسم،
و النوم أقوى من الخمر لأن النوم يُذهب السكر،
و الهم أقوى من النوم لأن الهم يطرد النوم).

إن الهم إذن هو أقوى جنود الله تعالى في الدنيا،
ثم توقف سيدنا علي عند هذا الجندي العاشر و كأنه أراد أن يتركنا نفكر
في الجندي الذي يستطيع أن يقهر الهم،
و لكي ننجح في اكتشافه علينا أن ننتبه أولا للقاسم المشترك بين هذه الجنود العشرة
و هو أنها جنود دنيوية،
و لا يمكن أن نقضي على أشدها و أعظمها و هو الهم إلا إذا واجهناه بجندي من جنود
الآخرة ألا و هي آية من القرآن الكريم قال الله جل علاه فيها :
((ألا بذكر الله تطمئن القلوب)) (الرعد:28)،

فكتاب الله تعالى هو الدواء الذي يشفي النفس و يقضي على همومها و غمومها و أحزانها،

و عظمة القرآن لا تتجلى فقط في كونه قادر على التغلب على عاشر جنود الله في الأرض

بل هو مهيمن عليها كلّها فالجبال على سبيل المثال رغم عظمتها قال الله عنها :

((لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله،
و تلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون)) (الحشر: 21).

و رحيق الختام في معرض الحديث عن أنواع القلق التي تسيطر على نفس الإنسان،

أن المسلم هو أذكى الناس في هذه الدنيا لأنه لا يحزن على ما فاته في الماضي

لإيمانه بأن كل ما ضاع سيخلفه الله جل علاه، و لإدراكه أيضاً بأن الإسلام يَجُبُّ ما قبله

و أن السيئة فيه تُمحى إذا أتبعها العبد الصالح بالحسنة شرط عدم التفكير في الرجوع إلى المعصية

مجدداً، كما أن المؤمن هو أعقل الناس لأنه لا يستسلم للشعور بالهم

مما قد سيقع له من مكاره في المستقبل لكونه مقتنع تمام الاقتناع بأن المستقبل

ليس تحت تصرفه بل المتصرف فيه هو الله سبحانه و تعالى ملتزماً في اعتقاده هذا بقوله جل علاه :

((و لا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله))
(الكهف :23-24)،

و لو طبق الناس في عصرنا الحالي هذه القاعدة الربانية لما تخبطت المجتمعات البشرية

خصوصاً منها الغربية في ويلات ظاهرة الانتحار حيث يتجرأ بعض ضعفاء الشخصية على إنهاء حياتهم

خوفاً من عواقب المصائب و المشاكل الواقعين فيها، إن مثل هؤلاء ينبغي أن يعلموا

بأنه مهما بلغت درجة خطورة الأزمات التي أوقعوا أنفسهم فيها فالله لن يتركهم وحيدين في مواجهتها

بل سيعينهم على الخروج منها سالمين غانمين

فكم من مصيبة كانت بداية لخيرات و بركات كثيرة قال الله عز و جل :
((فعسى أن تكرهوا شيئاً و يجعل الله فيه خيراً كثيراً )) (النساء : 19)،

كما أن المسلم هو أكثر الآدميين تحليّاً بالحكمة لأنه لا يترك نفسه فريسة للشعور بالغم

فعوض أن يشغل نفسه بالقلق على ما أصابه في حاضره

فإنه يفكر في حل لأزمته معتمداً في ذلك على الحكمة التي تقول :

(خُلقت المشاكل لتجعلنا نفكر في إيجاد الحلول و لم تُخلق لتجعلنا نقلق و نغرق في الغموم).

المراجع

تفسير القرآن الكريم/ إسماعيل بن عمر بن كثير (ت774هجرية)

الجامع لأحكام القرآن/ أبو عبد الله محمد القرطبي (ت671هجرية)

الكشاف/ أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري (ت538هجرية)

جامع البيان في تفسير القرآن/ محمد بن جرير الطبري (ت310هجرية)

جامع العلوم و الحكم/ ابن رجب البغدادي (ت795هجرية)


mẨřЎặm..εïз غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس