يعتمد نجاحُ المؤسسة كلّها اعتماداً كبيراً على نجاح مشاريعها. هل يمكنك التفكير في أيّ مبادرة مؤسسية مهمّة أو تطوير مؤسّسي ناجح ﻻ يرتبط بمشروع واحد على اﻷقلّ؟ لقد اشتغلتُ فترةً طويلة في مؤسسات كثيرة متنوعة في بقاعٍ مختلفة وخﻼل كل هذه التجربة فإنني ﻻ أجدُ مثاﻻً واحداً.وبناءً على أهميّة نجاح المشاريع هذه فهل تجدُ سؤاﻻً أعظم أهميةً من: كيف يمكننا ضمان نجاح مشاريعنا؟ وما أهمَ عوامل الفشل التي ينبغي توجيه اﻻهتمام إلى تفاديها؟استطلعتُ آراء عمﻼئي وكذلك آراء الشركات الزميلة باحثةً عن أهم ثﻼثة عوامل لفشل تؤدّي إلى عرقلة أو إفشال أيّ مشروع.ومع استعراضها في السطور التالية فإنني أرجو أن يكون مزيدٌ من الحرص على استبعادها سبباً في مضاعفة فرص نجاح مشاريعكم لتحقّق الهدف المنشود ضمن الميزانية المعينة والخط الزمنيّ المرسوم.
1- الضبابيّة في تحديد قيادة المشروع:ﻻ يكادُ المرء يصدق كيف أنّ هذه المسألة الواضحة كعين الشمس تستمرّ في مواجهتنا مرةً بعد مرّة! هناك أسبابُ كثيرة لعدم تحديد قيادة المشروع بوضوح.من هذه اﻷسباب أنّ فريق المشروع مجموعةٌ من الزمﻼء في المستوى نفسه وﻻ يتقدّم منهم أحد إلى تحمّل مسؤولية قائد المشروع ﻷنّ لدى كلٍ منهم وظيفةً معيّنةً تستحوذ على كلّ وقته، وﻻ يكادُ يستطيع التنفّس في زحمة مسؤولياته (خصوصاً في بيئة العمل المعاصرة يفترض كل قسم أن قسماً آخر ينبغي أن يتولّى قيادة المشروع.. وهكذا يبقى المشروع دون قائد.ليس هناك أيّ عذر يكفي للتغطية على أهميّة قيادة المشروع ولزومها الحتميّ لنجاح المشروع. ومن بين العوامل الكثيرة التي تقوم عليها أهميّة قيادة المشروع وتعيينها بوضوح:- ينبغي على قائد المشروع تفصيل وتوصيل أهداف المشروع بوضوح إلى المشاركين في القطاعات المختلفة.- ينبغي على قائد المشروع تهيئة ما يلزم لوضع خطة المشروع المشتملة على مهمّات واضحة معيّنة، ومنارات متابعة وتقييم، وتحديدٍ للمسؤوليات.- ينبغي على قائد المشروع التحرّك تحرّكاً استباقياً في مواجهة العراقيل لضمان إتمام الفريق للمهّات ضمن الزمن والميزانية المحدّدين.- وينبغي على قائد المشروع توصيل ما ينبغي من النتائج والمعلومات الخاصة بمسيرة المشروع إلى من ينبغي إعﻼمهم من رعاة المشروع والمتأثّرين به.بالنظر إلى المهمّات المفترض قيام القائد بها، فهل تتوقّع غير العرقلة أو الفشل التام مصيراً لمشروعٍ من دون قيادة واضحة؟
2- اﻻفتقار إلى نتائج وأهداف واضحةعلى منوال اﻻنعدام التام أو الضبابية في تحديد قيادة المشروع نجدُ أيضاً اﻻنعدام والضبابية في تحديد غايات المشروع وأهدافه.مع هذه الفوضى في غايات واﻷهداف ماذا ننتظر؟ إنّ أفضل قادة المشاريع وأعظمهم مقدرةً لن يجد فرصةً للنجاح! وإذاً فلنتريث ولنبدأ المشروع باﻹجابة على هذه اﻷسئلة: ما غاية المشروع الكبرى؟ ما اﻷهداف اﻷعظم أهميةً للمؤسسة؟ كيف يقوم كل عضوٍ في فريق المشروع بالمساهمة في تحقيق الهدف؟ هل الغاية واضحة مفهومة لدى الجميع؟ هل التوقيت مفهوم؟مثﻼً: إن كان الهدف النهائي (تقليص المخزون السلعي) واضحاً لدى أحد أطراف المشروع، ولكنّ فريق المشروع لم تكن لديهم منذ البداية غايات وأهداف المشروع كاملةً واضحة فسوف نرى أن الفروع تتردّد وتمانع أو تهمل في تبادل أرقام المخازين على الرغم من كون هذا التبادل عنصراً رئيساً في تقليص المخزون. نتيجةً لذلك سنرى التقدّم نحو الهدف بطيئاً جداً ولن يتغير في اﻷمر شيء قبل توضيح أهداف ومؤشرات عمل المشروع.
3- مشكﻼت التواصل:بالرغم من توفّر كل عناصر النجاح فإنّ مشكﻼت التواصل تبقى قادرة وحدها على ترجيح كفة الفشل والميل بكل الجهود والموارد المسخّرة نحو الضياع.ولعلّ أخطر ما في مشكﻼت سوء التواصل وانتشار الغموض والفوضى أنّ وقوعها –حتّى في أفضل بيئات العمل- سهلٌ ﻻ يحتاج إلى القيام بشي..ما تحتاجه لضمان الوقوع في مشكﻼت التواصل بين البشر ﻻ يزيد عن اﻻبتعاد وترك القنوات تجري!هل تعرف لعبة الهاتف (أو الوشوشة)؟ ألم تلعبها وأنت طفل؟.. تبدأ لعبة الهاتف بقيام أوّل ﻻعبٍ في المجموعة بتوصيل رسالة معقّدة إلى ﻻعب آخر همساً وفي خلفيةٍ صاخبة (مذياع، صياح، جمهور رياضة..) ثم يقوم الثاني بتوصيل ما استطاع سماعه وفهمه إلى الثالث وهكذا إلى ترجع الرسالة إلى مصدرها اﻷول الذي يعلنها بصيغتها الجديدة الطريفة التي ﻻ تكادُ تشبه الصيغة اﻷصليّة اﻷوّلى ﻻ من قريب وﻻ من بعيد!بعد عشرةٍ أو عشرين تداوﻻً للرسالة في احتفالٍ للصغار يحدث ما يحدث من نتائج مضحكة بالرغم من عزمِ كلٍ منهم على توصيل الرسالة كما سمعها، واﻵن: هل لك أن تتخيّل ما يحدث في المؤسسة عندما يدخل على الخط تشويش وسياسات ومصالح عالم الكبار؟وإن تركنا جانباً مشكﻼت التواصل المعتادة المتأصّلة في نفوس كل البشر وطرق تفاعلهم، فهناك ميدانٌ آخر حافلٌ بتحدّيات التواصل التي تتنوّع وتتراوح بين عوائق التواصل الثقافية أو الحضارية واللغوية وبين العوائق الوظيفية (ما نشاهده عندما يتحدّث اختصاصيو البيع مع التقنيين، أو عندما يتحدّث مسؤولو التمويل مع اختصاصيي اﻷبحاث والتصميم) وعلى سبيل المثال أذكر أنني اشتغلت في مشاريع كثيرة تضمّ فرق عملها أعضاء كثيرين كانت اﻹنكليزية لغتهم الثانية.وبالرغم من وجود قادة مشاريع ممتازين فقد كان ضمان وضوح التواصل، وضمان اتساق جهود الجميع وانضمامها حول محور واحدٍ مطلباً شديد الصعوبة. وكان من العاديّ جداً الوقوع في دوائر نقاشٍ مفرغة تستنزف الوقت والجهد واﻷعصاب بالرغم من حسن النية لدى الجميع.ثابر على التواصل أوﻻً وثانياً وأخيراً.. فحسب تجربتي ينبغي عليك تكرير بعض رسائل المشروع المهمّة مرةً بعد مرّة، حاول توصيلها بكلماتٍ مختلفة في كل مرة، واستخدم وسائط مختلفة.اطلب من أعضاء فريقك تزويدك بما فهموه عنك. أرسل المذكّرات والمتابعات.. ﻻ تتوقّف عن التواصل.