اﻹدارة قديمة قدم اﻹنسان نفسه، فقد أخذت في الظهور بشكل ما منذ أن قام اﻻنسان بتحديد أهداف معينة وعمل على تحقيقها، ومن كتابات المصريين القدماء حوالي 1300 قبل الميﻼد، يتضح معرفتهم لﻺدارة واستخدامهم الجهود اﻻنسانية المنظمة وكذا التاريخ اليوناني القديم وتاريخ اﻻمبراطورية الرومانية التي تقدم أدلة كثيرة على المعرفة اﻹدارية وخاصة في مجال القضاء وعمليات الحكومة وتنظيم الجيوش ووحدة الجهود الجماعية.إﻻ أن دراسة اﻹدارة دراسةً علمية منظمة بدأت فعلياً مع بداية سنة 1880 م وكانت تلك الدراسات تهدف لﻺجابة على اﻻستفسار التالي:كيف يمكن أن نقلل من الضياع في وقت المديرين والعمال؟بناءً على السؤال طهرت العديد من الدراسات لعل أهمها على اﻻطﻼق دراسات " فريدريك تايلور" وحاول فيها الربط بين الجهد المبذول والوقت الذي يستغرقه ﻹنتاج وحدة واحدة من السلع، وقد عرفت هذه الدراسات ﻻحقاً بدراسات الحركة والزمن (Time & Motion Study) والتي كانت اﻷساس في طهور ما عُرف فيما بعد بـ "اﻹدارة العلمية" والتي من خﻼلها كسب فريدريك لقب "أبو اﻹدارة العلمية" وقد استفاد فريدريك من النموذج البيروقراطي الذي يقترن باسم المؤخر اﻻلماني ماكس ويبر قبل ظهور اﻹدارة العلمية، تلى ذلك ظهور مدرسة النظرية اﻹدارية أو مدرسة العملية اﻹدارية لمعاصر تيلور في تلك الفترة وهو هنري فايول الذي عرف "بأبو اﻹدارة" نظراً ﻷنه أو من تكلّم عن مبادئ التنظيم ووضع 14 مبدأً ﻻ تزال حتى اليوم تطبق في المنظمات الحديثة، ثم ظهرت مدرسة العﻼقات اﻹنسانية كرد فعل لمدرسة اﻹدارة العلمية ومدرسة النظرية أو العملية اﻹدارية التي تم التركيز فيها على النواحي النفسية واﻻجتماعية للعاملين، ومن رواد هذه المدرسة آلتون مايو، ثم تبعها ظهور المدارس السلوكية فالمدرسة الموقفية، إلى أن ظهرت أخيراً مدرسة النظم*Systems Approach*والتي تم فيها التركيز على النظرة الشمولية بدﻻً من النظرة الجزئية لﻸمور، ونظراً ﻷهمية هذه المدارس في تطور الفكر اﻹداري، نتظرق لها بإيجاز:*1-*مدرسة اﻹدارة العلمية "فريدريك تايلور":تقوم هذه الفلسفة على اتباع اﻻسلوب العلمي في حل المشكﻼت اﻹدارية وليس على الحدس والتخمين، حيث قام تايلور بتحليل تدفق العمل وأساليب اﻹشراف والجهد المبذول من قبل العمال وذلك باستخدام دراسة الوقت والحركة التي تضمنت تحديد وقياس الحركات التي يبذلها العامل عند أدائه لعمله بغرض التخلص من الحركات غير الضرورية واﻹبقاء على الحركات الﻼزمة ﻷداء العمل وقياس الوقت المستغرق ﻷداء تلك الحركات وبالتالي معرفة الوقت الحقيقي الﻼزم ﻹنجاز العمل واختبار أفضل طريقة لﻸداء*The One Best Wayويمكن القول بأن مدخل تايلور في إدارة العمليات اﻻنتاجية يتضمن في جوهره خمس نقاط:·*تعريف طبيعة العمل تعريفاً دقيقاً وتقسيمه إلى أجزاء وتخصيص كلّ عامل ﻷداء جزء بسيط فقط في العملية اﻻنتاجية الكلية، وذلك بهدف التوصل ﻷفضل طريقة لﻸداء على افتراض أن هناك دائماً طريقة واحدة أفضل من كل الطرق اﻷخرى ﻷداء عملٍ ما.·*وضع الرجل المناسب بالمكان المناسب وفقاً لقاعدة التخصص.·*تدريب العامل لرفع كفايته اﻻنتاجية.·*وضع مستوى معياري محدد لمتوسط إنتاجية كل عامل.·*دفع مكافأة مادية لكل من يتجاوز المستوى المعياري المحدد.ومع أن أسلوب تايلور العلمي الذي اقترحه أثبت كفائته إﻻ أنه مع مرور الوقت ظهرت له بعض السلبيات، من أهمها:·*نظرت اﻹدارة العلمية إلى العامل وكأنه آلة في جسم ضخم وبالتالي أهملت بشكل شبه كامل النواحي النفسية واﻻجتماعية له.·*نظراً لتفتيت العملية اﻹنتاجية إلى أجزاء وتخصيص كل عامل ﻵداء جزء منها، فقد أدى كل هذا إلى سهولة أداء ذلك العمل وبالتالي تسرّب الملل والضجر إلى العمال.·*لم يحدُث هناك أي توافق وانسجام بين العمال واﻹدارة، اﻷمر الذي أدى إلى تضارب المصالح وشعور العاملين بالظلم، مما أدى بالنهاية لتكوين التنظيمات غير الرسمية التي بدأت العمل ضد اﻹدارة.إﻻ أنه ومع ذلك يمكن القول بأن أهم إسهامات هذه المدرسة كانت في اﻻستفادة من أسس تنظيم خطوط التجميع اﻹنتاجية التي ما تزال حتى اﻵن ماثلة أمام العيان*Assembly Lines.2-*مدرسة النظرية اﻹدارية "هنري فايول":وتعرف هذه المدرسة أحياناً بمدرسة العملية اﻹدارية، ومن روادها هنري فايول "أبو اﻹدارة"، ﻷنه أو من تكلّم عن مبادئ التنظيم ووضعها في 14 مبدأ، منها: مبدأ التخصص، مبدأ تقسيم العمل، مبدأ وحدة اﻷمر، مبدأ نطاق اﻹشراف، مبدأ تكافؤ السُلطة مع المسؤولية، مبدأ المركزية، مبدأ التسلسل الرئاسي،وغيرها من المبادئ التي شكلت أساس التنظيم اﻹداري الرسمي بالمنظمات اليوم، باﻹضافة لذلك فقد اقترح فايول تنظيم الوظائف المختلفة للمنظمة إلى ست أنشطة فرعية:·*اﻷنشطة الفنية: تشمل اﻻنتاج والتصنيع.·*اﻷنشطة التجارية: تشمل عمليات البيع والشراء والتبادل.·*اﻷنشطة المالية: كالتمويل والقروض واﻻئتمان والميزانية.·*اﻷنشطة التأمينية: تشمل الحفاظ على الممتلكات واﻷفراد.·*اﻷنشطة المحاسبية: وتشمل عمليات الجرد وإعداد القوائم المالية.·*اﻷنشطة اﻹدارية: تشمل وظائف اﻹدارة الرئيسية التي اقرتحها فايول وهي التخطيط، التنظيم، التوجيه وﻻقيادة، التنسيق والرقابة.وتقوم فلسفة مدرسة العملية اﻹدارية "النظرية اﻹدارية" على تحليل العملية اﻹدارية، ووضعها في إطار نظري، وتعريف مبادئها وبناء نظرية إدارية، كما أنها تنظر لمبادئ اﻹدارة من وجهة نظر شمولية بمعنى أنه يمكن تطبيقها في المنظمات وعلى أي مستوى بغض النظر عن طبيعة العمل الذي تعمل في إطاره المنظمة، ولكنها ﻻ تتجاهل دور البيئة الداخلية والخارجية التي تؤثر على الوظائف اﻹدارية المختلفة،ويمكن إيجاز معنى شمولية العملية اﻹدارية التي نادى بها فايول في النقاط التالية:·*أن وظائف اﻹدارة ﻻ ترتبط بزمان أو مكان أي أنها عالمية التطبيق.·*أن المبادئ التي نادى بها فايول تنطبق على جميع أنواع المنظمات، سوءاً قطاع عام أو خاص.·*أن المبادئ تنطبق أيضاً على جميع مستويات اﻹدارة (العليا، الوسطى، الدنيا)3-*مدرسة العﻼقات اﻹنسانية "التون مايو":ظهرت كرد فعل على إهمال النواحي النفسية واﻻجتماعية من قبل المدرستين السابقتين (تيلور وفايول) ولهذا فقد ركزت هذه المدرسة على اﻻهتمام باﻹنسان كإنسان من خﻼل اتصاله وتفاعله مع الجماعة وأن العوامل النفسية واﻻجتماعية بين العاملين لها دور كبير في زيادة الكفاءة واﻻنتاجية قياساً بالعوامل اﻹدارية، ولذلك فقد كان من اهتمامات هذه المدرسة دراسة أثر التصيم المادي لمكان العمل كاﻹضاءة والتهوية استخدام اﻷلوان على إنتاجية العاملين، وعلى إثر ذلك قام التون مايو رائد هذه المدرسة بالعديد من التجارب عُرفت بتجارب الهاوثورن*Hawthorne Experiences*لدراسة مدى تأثير اﻹضاءة على اﻻنتاجية أدت من خﻼل إجرائها للكشف عن أثر العامل المعنوي والروح المعنوية للعاملين على اﻹنتاجية بصفة عامة، ونشير هنا ﻷهم نتائج دراسات الهاوثورن:·*يجب النظر للمنظمة على أنها نظام اجتماعي متداخل اﻷجزاء أي أنها كالجسد الواحد إذا تأثر فيه جزء تداعى بنفس التأثيرأجزاء المنظمة اﻷخرى.·*المنظمة تؤدي وظيفتين:أ*.*تقديم سلعة أو خدمة.ب*.*توزيع الرضا بين أعضائها.ويعني هذا أن هناك طبقتين من المشاكل:أ*.*أن تبقى المنظمة كوحدة اقتصادية تعمل في النواحي اﻻنتاجية والتسويقية بالكفاءة الﻼزمة.ب*.*أن توزع الرضا بين العاملين إلى حد يبعث على التعاون ويحافظ على الروح المعنوية للعاملين.·*في المنظمة مثلما في غيرها من المؤسسات اﻻجتماعية تكون عملية التقويم اﻻجتماعي عﻼمة ظاهرة دائمة والفرق بين الرئيس والمرؤوس يختلط على أساس من تقييم المستويين كل منهما لﻶخر.·*كل شخص في المنظمة أياً كانت مرتبته ينظر ﻷي شيء يمس وضعه الشخصي على أنه غير عادل سواءً كان ذلك يتمثل في الظروف المادية المحيطة أو اﻷجور وساعات العمل.·*في كل منظمة من أعلى قمتها ﻷدى قاعدتها ﻻ يكون الحافز المادي فعاﻻً إﻻ على أساس اعتقادات معينة عن الحوافز، وﻻ بد من اﻻعتراف بتداخل قيم واعتقادات وعواطف معقدة، قد تكون أكثر تأثيراً من الحوافز المادية.·*أن أوضَح شيء بالمنظمة هو تنظيمها الرسمي وهو الذي يضمن السياسات والنظم والتعليمات، وينص على العﻼقات بين اﻷفراد، كما يجب أن تكون عليه هذه العﻼقات ويوجد إلى جوار هذا التنظيم تنظيم آخر غير رسمي للجماعات تجمع بنها قيم ومعتقدات ومعايير ونظراً ﻷن اﻻنضمام لهذه الجماعات يكون تلقائياً فإنّ تأثيرها على السلوك يكون قوياً وﻻ يُمكن إنكاره,ولقد وافق كثير من اﻻجتماعيين في أنحاء العالم على المبادئ التي نادى بها التون مايو وفحواها أن العمل هو نشاط جماعي مما فتح الباب واسعاً لعلمي اﻻجتماع والنفس واﻻنسان، لتشارك جميعاً في حل مشكﻼت الصناعة.4-*المدرسة السلوكية في اﻹدارة:ظهرت أيضاً كردّ فعل لمدرسة اﻹدارة العلمية ﻹغفالها الجانب النفسي واﻻجتماعي للعامل أو الموظف، كذلك فإن العلوم السلوكية كمدخل لﻺدارة كانت كردة فعل لحركة أو مدرسة العﻼقات اﻻنسانية، وتقوم المدرسة السلوكية على افتراض أن السلوك اﻻنساني هو سلوك هادف وأن مهمة اﻹدارة محاولة تحفيز اﻷفراد والجماعات على أداء العمل وذلك بما يوفق بين حاجاتهم وحاجات المنظمة، وقد أسهم الكثير من الكتاب والباحثين في ظهور هذه المدرسة مثل ماري باركر فولييت، دوجﻼس ماكر يرجور، فريدريك هيرزبرج، رينسس ليكرت وغيرهم,ويمكن القول أن مدرسة العﻼقات اﻹنسانية كانت الشرارة اﻷولى التي أدت إلى ظهور المدخل السلوكي مستخدماً مفاهيم علوم اﻻجتماع والنفس ودراسة اﻻنسان وغيرها من العلوم لزيادة المعرفة بالسلوك اﻹنساني في بيئة العمل. ونذكر هنا الجوانب التي ركز عليها